الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

المخالفات الشرعية فى العمل المصرفى فى البنوك الإسلامية



المخالفات الشرعية فى العمل المصرفى فى البنوك الإسلامية

لقد خلقنا لنعبد الله بالكيفية التى وضعها لنا الخالق ، فليس لنا أن نقر إجتهاداً يخالف حكم الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم . إن العمل المصرفي فيما يعرف بالبنوك الإسلامية يتضمن العديد من مواطن عدم التوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية .

يشير البيان الخاص باسلوب تحديد أهداف المحاسبة المالية المعتمد من قبل مجلس المحاسبة المالية للمصارف الإسلامية إلى أن النقاش الخاص بهذا الموضوع قد تبلور عن اتجاهين ، أحدهما يرى ضرورة تحديد الأهداف إنطلاقاً من مباديء الإسلام وتعاليمه ، والآخر يرى النظر في أهداف المحاسبة المالية التي توصل إليها الفكر المحاسبي المعاصر ، ويعرضها على الشرع ، فما اتفق مع الشرع قُبل ، وما اختلف إستبعد . وقد أقر المجلس في اجتماعه المنعقد عام 1993 الأخذ بالاتجاه الثاني . نتيجة لهذا القرار لم تتأسس المصارف الإسلامية في الأصل على أحكام الشريعة وإنما قامت على تقليد العمل المصرفي الربوي .

مع ظهور المصارف الإسلامية ، انهال الفقهاء المعاصرون على دراسة المعاملات الاقتصادية والمصرفية لإيجاد التخريجات من الفقه الإسلامي الذي يحوي آلاف الفتاوى عبر أكثر من أربعة عشر قرناً ، والتي تمثل آراء متنوعة وأحياناً متعارضة تُمكن من إجازة الكثير من المعاملات بدعوى الاستناد إلى الفقه الإسلامي ، وأضاف إليها الفقهاء المعاصرون إجتهاداتهم الخاصة . ليس في الاجتهاد ، قديمه أو حديثه ، من بأس مادام يستند إلى أحكام القرآن والسنة عملاً بقوله تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" (النساء : 58) ، ولكن عدم توافق الأنظمة الاقتصادية وكذلك العمل المصرفي الإسلامي مع أحكام الشريعة الإسلامية يظهر عند إجازة فتاوى دون مراعاة أو دون معرفة بالآثار الاقتصادية المترتبة على الفتوى ، أو محاولة التوصل إلى فتوى خاصة بالنظام الاقتصادي من فقه المعاملات ، أو عدم التنبه للفرق بين ملابسات وظروف فتاوى السلف الصالح مع ملابسات وظروف المعاملة فى الاقتصاد الوضعي ، أو إجازة معاملات مصرفية بحجة التيسير على الناس أو مراعاة مصلحتهم أو الرغبة في إيجاد بدائل لجميع المنتجات المصرفية التقليدية أو النظر إلى الاقتصاد الإسلامي على أنه مجرد اقتصاد غير ربوي ، فالله أعلم بمصلحة عباده والقرآن هدى للعالمين في كافة العصور السابقة والحالية والمستقبلية  "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" (البقرة : 2) . يتركز البحث فى الفقه الإسلامي القديم على المعاملات ضمن اطار سوق حرة لا تشوبها التعقيدات المعاصرة ، وما لم توضع المعاملات ضمن إطار الاقتصاد المحددة معالمه فى القرآن الكريم الصالح لكل زمان ومكان ، فإن الفتاوى تمثل بناء بلا أساس . 


الأحكام الفقهية للسلف الصالح ذات العلاقة بالعمل المصرفي
·         في معنى الربح يقول صاحب المغني " ... الفاضل عن رأس المال ومالم يفضل فليس بربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً" (ابن قدامى – المغني ويليه الشرح الكبير – الجزء الخامس – ص 166) .
·         وفي استحقاق الربح والخسارة يبين الجزيري في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الثالث – ص 57 إلى 60 أقوال المذاهب الأربعة في هذا الشأن ، فعن الحنفية أنهم قالوا " لا تصح قسمة الربح قبل أن يقبض صاحب المال رأسماله " ، وعن المالكية قولهم أن "القاعدة في ذلك أن رأس المال إذا خسر فيه شيء بالعمل فيه أو تلف بآفة سماوية أو سرقه لص فإن الخسارة تجبر من الربح " ، أما الحنابلة فقالوا "لا يستحق المضارب شيئاً من الربح حتى يتسلم رأس المال إلى صاحبه والخسارة تجبر من الربح" ، وعن الشافعية أنهم قالوا "يصح قسمة الربح قبل أن يقبض رأس المال إلا أن الربح إذا قسم قبل بيع جميع السلع وقبل أن يصبح رأس المال ناضاً فإن ملك الربح لا يستقر فلو حصل بعد القسمة خسارة في رأس المال جبرت بالربح فيرد الجزء الذي أخذه" . ويقول ابن رشد "أن المقارض إنما يأخذ حظه من الربح بعد أن ينض جميع رأس المال " (ابن رشد – الحفيد – الجزء الثاني – ص 240) .
·         وفي خلط مال المضاربة جاء في المدونة الكبرى للإمام مالك ( رواية سحنون – كتاب القراض – الجزء الثالث – 650) في مسألة خلط المال ؛ " ولقد سألت مالكاً عن الرجل دفع إليه رجل مالاً قراضا ، فابتاع به سلعة ، ثم دفع بعد ذلك إليه رب المال مالاً آخر ، فابتاع به سلعة أخرى ، ثم باع السلعتين جميعاً فربح في إحداهما وخسر في الأخرى؟ فقال مالك : كل مال منهما على قراضه ، ولا يجوز نقصان هذا المال من ربح هذا المال" .
·         وفي دقة حساب الربح بقصد إعطاء كل ذى حق حقه ولو بتتبع عمليات حسابية يدوية شاقة ، ورد في المغني ويليه الشرح الكبير (ابن قدامى – الجزء الخامس – ص 166) النص التالي : (( إذا دفع إلى رجل مائة مضاربة فخسر عشرة ثم أخذ رب المال منها عشرة لم ينقص رأس المال بالخسران لأنه قد يربح فيجبر الخسران لكنه ينقص بما أخذه رب المال وهي العشرة وقسطها من الخسران وهو درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية أتساع درهم فإن كان أخذ نصف التسعين الباقة بقى رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران وإن كان خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ولذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من الربح ورأس المال فلو كان رأس المال مائة فربح عشرين فأخذها رب المال ثم بقي رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثاً لأنه أخذ سدس المال فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشر وثلثان وحقها من الربح ثلاثة وثلث ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه وإن كان أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسون وثلث لأنه أخذ ربع المال وسدسه بقي ثلثه وربعه وهو ما ذكرنا فإن أخذ ستين ثم خسر في الباقي فصار أربعين فردها كان له رب المال خمسه لأن ما أخذه رب المال انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه خسران ما بقي في يده لمفارقته إياه وقد أخذ من الربح عشرة لأن سدس ما أخذه ربح فكانت العشرة بينهما وإن لم يرد الأربعين كلها بل رد منها إلى رب المال عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين .)) .
·         وفي الاستدانة على مال المضاربة ، يستوقفنا في الفقه الإسلامي القديم شبه إجماع على أنه لا يجوز للمضارب أن يستدين على مال المضاربة أو يقرضه إلا بإذن صريح من رب المال وتبريرهم في ذلك أن الاستدانة إثبات زيادة في رأس المال يضمنها رب المال . وفريق الفقهاء الذي لم يتفق معهم في الرأي كان أكثر تحفظاً ، إذ يرى بعدم جواز الاستدانة وإن أذن رب المال ، استناداً إلى نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ، ففي موافقة رب المال على الاستدانة أو الإقراض مسؤولية تتخطى حدود رأسماله ويصبح مسؤولاً عن تسديد الديون وتحصيل القروض . وفي هذا الشأن يشير الدكتور وهبة الزحيلي إلى البدائع 6 / 68 وإلى رد المحتار 3 / 377 فيقول في كتابه "الفقه الإسلامي وأدلته" – ص 3904 في البند الرابع : (( فان لم يكن في يده دراهم ولا دنانير ، وصار رأسمال الشركة كله أعياناً وأمتعة ، فاشترى بدراهم أو دنانير شيئاً نسيئة ، فيكون المشترى له خاصة دون شريكه ، لأنه لو صح في حق شريكه صار مستديناً على مال الشركة ، والشريك لا يملك الاستدانة على مال الشركة من غير أن يؤذن له بها ، كالشريك المضارب ، لأنه يصير رأسمال الشركة أكثر مما رضى الشريك بالمشاركة فيه ، فلا يجوز من غير رضاه .)).

مواطن عدم توافق العمل المصرفي القائم مع أحكام الشريعة الإسلامية
أولاً : فى مجال الودائع الاستثمارية
تعد فكرة "المضاربة المشتركة" العمود الفقري لتأسيس البنوك الإسلامية ، لأنها الاجتهاد المعاصر الذي شرع للبنوك الإسلامية استقطاب الودائع الاستثمارية . المضاربة المشتركة هي الإطار الذي ينظم علاقة أصحاب الودائع الاستثمارية المطلقة بوصفهم "رب المال" مع البنك بوصفه " المضارب" . ابتدعت فكرة المضاربة المشتركة لحل مشكلة عدم توافق الآجال :
1.      آجال العمليات الاستثمارية ، فالبنك ينفذ عملية شراء سلم مدتها 3 شهور ، وعملية بيع مرابحة مدتها 4 سنوات ، وعملية تأجير للتمليك تستغرق 20 سنة .... وهكذا .
2.      آجال الودائع الاستثمارية ، فهناك مودع في حساب توفير يبدأ الإيداع في 1/3 وآخر يبدأ الإيداع في 1/8 وثالث مودع لأجل مربوط لمدة 3 شهور وآخر مودع لأجل مربوط لمدة سنة ... وهكذا.
3.      آجال الفترات المالية للبنك ، البنك يجري محاسبته على أن السنة المالية مقسمة في الغالب على سنوات مالية متساوية .. سنة 2008 ، سنة 2009 ، سنة 2010 .... وهكذا .

تقوم فكرة المضاربة المشتركة على فرضية أن المودعين خلال السنة المالية شركاء في الدخل الذي يعتبر قد تحقق عن الاستثمارات في تلك السنة استناداً إلى تعسر الفصل والتخصيص لعدم تعين النقود ، باعتبار أن من خرج أثناء مدة الاستثمار أو دخل أثنائها فكأنه يبيع حصته في رأس المال ، ولذا يحصل على نسبة من الربح تتفق مع المبلغ المودع ومدة استثماره . يترتب على فرضية المضاربة المشتركة مجموعة من المخالفات الشرعية :

معاملات الودائع تتضمن أكل مال بالباطل  "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (النساء – 29)
·         يعتمد الاجتهاد المعاصر مبدأ الاستحقاق ، بمعنى أن يتحقق لكل سنة مالية حصتها من ربح الاستثمار ، ويوزع الربح على المستثمرين بنهاية السنة . بالمقابل يعتمد فقه السلف الصالح المبدأ النقدي بمعنى أن  يتحقق الربح بعد أن يغطى رأس المال بالكامل ويوزع على المستثمرين عند تحققه .
مثال 1: مرابحة بتاريخ 1/1/2010  الربح 200 لمدة 2 سنة . ربح سنة 2010 = 100 ، ربح سنة 2011 = 100 . مودع بتاريخ 1/7/2010 يشارك فى كامل ربح سنة 2010 ، يكتسب ربح من عملية مرابحة لم يستثمر فيها . مودع بتاريخ 1/7/2009 سحب وديعته فى 1/7/2010 ، يحرم من ربح عملية المرابحة التى استثمر فيها . هكذا توزيع للربح لا يعطي كل ذي حق حقه فرب المال يستحق الربح بسبب استثمار ماله .
مثال 2: استثمار بتاريخ 1/1/2010  ربح سنة 2010 = 1000 ، خسارة سنة 2011 = 2000 . مودع بتاريخ 1/7/2010 يشارك فى كامل ربح سنة 2010 ، يكتسب ربح من عملية استثمارية خاسرة لم يستثمر فيها . مودع بتاريخ 1/7/2011  يشارك فى خسارة سنة 2011 عن عملية استثمارية لم يستثمر فيها .
·         فى الاجتهاد المعاصر يقوم استقطاب الودائع على فكرة المضاربة المشتركة التى تعنى خلط أموال المضاربات . بالمقابل لا يجيز فقه السلف الصالح خلط أموال المضاربات
مثال : صافى ربح الاستثمارات 2010 = 2 مليون (عمليات رابحة 3 مليون – عمليات خاسرة 1 مليون) . بسبب التقاص تنخفض حصة البنك (المضارب) لأنها تحسب على ربح مقداره 2 مليون وليس 3 مليون ، بالمقابل ترتفع حصة المودعين بالفرق .
تعليق : تبرَر فكرة المضاربة المشتركة فى الاجتهاد المعاصر بتعسر الفصل والتخصيص . التعلل بتعسر الفصل والتخصيص لا يمكن قبوله في عصر الحاسوب الذي يمكن لبرامجه الفصل بين الودائع والتخصيص لكل وديعة بمشاركاتها في الاستثمارات ، وتحديد ربحيتها من كل استثمار بدقة مهما تعددت الودائع وتنوعت الاستثمارات ، وثم قيد حصة المستثمر في ربح استثمار ماله عند تحققه فعلياً بعد رد رأس المال . أقول ذلك عن خبرة مصرفية طويلة ومعرفة متعمقة بوضع برامج الحاسوب .
·         الاجتهاد المعاصر يجيز إقتطاع مخصصات واحتياطيات من ربح الاستثمارات بنهاية السنة المالية . بالمقابل لا يجيز فقه السلف الصالح القسمة قبل أن ينض راس المال ... إذا تمت تغطية رأس المال فلا مبرر لإحتياطي . 
مثال : نسبة مشاركة المودعين 70% ، ربح الاستثمارات 1 مليون ، قرر البنك مخصصات أو إحتياطيات  100 ألف إضافة إلى 100 ألف احتياطيات استناداً إلى ما أقرته المعايير المحاسبية للمصارف الإسلامية تحت اسم إحتياطي استقرار توزيعات الأرباح لتمكين المصارف الإسلامية من المحافظة على أن تكون معدلات ربحية الاستثمارات القابلة للتوزيع متوافقة مع أسعار الفائدة السائدة . يشارك المودعون فى ربح 800 ألف . البنك يحدد مقدار الربح .
·         يستثمر البنك لصالحه أموال المودعين خلال الفترة من تاريخ إيداعها إلى تاريخ المشاركة فى الاستثمارات .
·         إذا اضطر المودع لكسر الوديعة ، أي السحب منها قبل تاريخ استحقاقها ، فإنه يحرم من عائد الاستثمار عن كامل الوديعة أو عن الجزء المسحوب منها حسب سياسة البنك ، وذلك يعني إنتقال ربح استثمار مال الغير إلى البنك .
·         يستثمر البنك لصالحه أرباح المودعين التى يعتبرها تحققت خلال الفترة من نهاية السنة المالية لحين إقرار توزيعها .
·         يستثمر البنك لصالحه ما يقتطعه من ربح الاستثمارات تحت مسمى مخصصات أو احتياطيات .

معاملات الودائع تتعارض مع توجيهات الآية الكريمة "كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر: 7)
اتبعت البنوك الإسلامية نهج البنوك التقليدية في التمييز بين الودائع بحسب نوع الحساب و بحسب المبلغ المودع و بحسب مدة ربط الوديعة . يترتب على ذلك أن الأكثر ثراءاً يمكنه الحصول على الشروط الأفضل فيحظى بربح أوفر .

ثانياً : فى مجال الاستثمار
تطبيقات المشاركة والمضاربة
·         اعتبار قيود المصرف المحاسبية في حكم القبض أو الدفع الفعلي في حال قيد حصة البنك النقدية في رأس المال
يمكن قبول وفهم وتبرير ما اتجه إليه الفقهاء المعاصرون من اعتبار قيود المصرف المحاسبية في حكم القبض أو الدفع الفعلي عندما يمثل القيد عملية قبض فعلية من متعامل مع البنك أو دفع فعلية له ، فإذا قبض البنك 100 دينار من عميل تزيد فعلياً موجودات النقد لدى البنك مقابل زيادة التزام البنك نحو المودعين بنفس المبلغ ، والعكس في حالة الدفع . لكن الأمر يختلف عندما يمثل القيد علاقة المصرف بنفسه (قيد داخلي) كما هو الحال في قيد حصة البنك النقدية في رأسمال المشاركة ، فالقيد في هذه الحالة لا يزيد ولا ينقص النقد لدى البنك لصالح إمتلاكه حصة في رأسمال الشركة ، وتبقى حصة البنك في رأسمال الشركة ضمن النقد لدى البنك وتحت تصرفه إلى أن يباشر المصرف الصرف لأغراض الشركة تدريجياً حسب التدفقات النقدية المطلوبة ، وذلك يتعارض مع الأحكام الفقهية بعدم جواز أن يكون رأس المال غائباً .
·         استعمال مال الشركة لغير الغاية المخصص من أجلها
المال الزائد على متطلبات التدفقات النقدية للشركة يختلط بالمال الخاص بالمصرف ويتصرف المصرف فيه كيف شاء وقد يجني من جراء تصرفه ربحاً يكون خاصاً له . إن استعمال مال الشركة لغير الغاية المخصص من أجلها يتعارض مع عقد الشركة الذي يقوم على رأسمال ثابت لكل شريك يستثمر لأغراض الشركة . "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" (المائدة 5 : 1) ، كما أن استعمال المصرف للمال الزائد ينطوي على تخفيض حصة المصرف في رأسمال الشركة ، وفي ذلك مخالفة لعقد الشركة وظلم للشريك "وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض" ( ص 38 : 24) .

·         توزيع ربح المال أو الخسارة بحسب رأس المال المتفق عليه فى العقد
يفهم من الأحكام الفقهية في الشركات أن استحقاق المال للربح ناتج عن تحمل مخاطر استثماره ، فإذا لم يستثمر المال بوضعه عملياً تحت تصرف الشركة فإن صاحبه لا يستحق أن يجني ربحاً أو أن يتحمل خسارة ، الأمر الذي يستوجب استثمار المال فعلياً ، وليس مجرد الوعد باستثماره ،  وذلك يتفق مع نص الآية الكريمة "إلا أن تكون تجارة" (النساء : 29) . إذا كانت نسبة توزيع رأس المال المتفق عليها في العقد 50% للشريك مقابل 50% للبنك ، لو أنه حدث قبل أن يبدأ البنك في الإنفاق على الشركة من ماله أن هلك مال المشاركة ، أو لو حققت الشركة ربحاً ثم فسخت المشاركة ، فإن توزيع الربح أو الخسارة بحسب توزيع رأس المال في العقد يترتب عليه أن البنك الذي لم يستثمر من ماله شيء يتحمل خسارة مال غيره أو يكتسب ربح مال غيره .

·         توزيع الربح فى المشاركة أو المضاربة المتناقصة قبل تغطية رأس المال
المشاركة المتناقصة أو المنتهية بالتمليك التى قدمها الاجتهاد المعاصر يتم فيها توزيع الربح قبل أن ينض رأس المال خلافاً لأحكام فقه السلف الصالح . ماذا لو هلك مال المشاركة قبل تغطية رأس المال ؟

تطبيقات الإجارة المنتهية بالتمليك
·         شرط البيع فى عقد الإجارة المنتهية بالتمليك يخالف ما صح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه نهى عن صفقتين في صفقة واحدة ، وهاتان صفقتان في صفقة ، فالإجارة صفقة والبيع صفقة أخرى .
·         شرط البيع قبل انتهاء مدة الإجارة تتحقق فيه الجهالة بالصفة التى سيؤول إليها المأجور بعد انتها مدة الإجارة ، وقد نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن بيع الغرر الذى ينشأ عن الجهالة بالمبيع . وقد روي عن ابن عباس قال : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع تمر حتى يطعم ، أو صوف على ظهر ، أو لبن فى ضرع ، أو سمن فى لبن " (رواه الدارقطنى) .
·         شرط الهبة أو التملك بعد آخر قسط فى عقد الإجارة هو تحايل لأن البيع هو المقصود ، وفى ذلك تناقض مع حديث الرسول صل الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء ما نوى" وهو حديث متفق عليه ، ولا عمل بدون نية .
·         شراء المأجور وتأجيره لمن اشتريت منه إجارة منتهية بالتمليك هو بيع عينة واضح .

تطبيقات المرابحة للآمر بالشراء
تشكل المرابحة للآمر بالشراء معظم معاملات المصارف الإسلامية إذ يقوم البنك ، بناءاً على طلب الآمر بالشراء ، بشراء السلعة نقداً وثم بيعها للآمر بالشراء آجلاً لجني الربح من فرق السعرين . مشروعية المرابحة محل جدل لدى الفقهاء تجعلها محل تعارض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام " (صحيح مسلم) .

تطبيقات البيوع الأخرى
هى تجارة وليس عمل مصرفى .

ثالثاً : فى مجال توظيف الأموال فى الأسواق المالية
تطبيقات المضاربات في الأسواق المالية باسم أوراق مالية للمتاجرة تتعارض مع مبدأ عدالة التقييم
أسعار الأسهم والبضائع في البورصات يحددها حجم الطلب والعرض المفتعل على عقود الشراء والبيع وليس حجم الطلب والعرض على الأسهم أو البضائع ذاتها ، ومعظمها معاملات ورقية ليس فيها استلام أو تسليم لموجودات ، فالمشتري يشتري عقداً والبائع يبيع عقداً . وافتعال رفع أسعار السلع يتسبب فى التضخم الذى يسهم فى تركز الثروة وعدم الاستقرار الاقتصادي "ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم" (هود 11 : 85) .

تطبيقات المضاربات في الأسواق المالية باسم أوراق مالية للمتاجرة تنطوى على ربا
"وحدثنى عن مالك أنه بلغه أن صكوكاً خرجت للناس فى زمان مروان بن الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم فقالا أتحل بيع الربا يا مروان . فقال أعوذ بالله وما ذاك فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها فبعت مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدى الناس ويردونها إلى أهلها ." (موطأ الإمام مالك: كتاب 31 ، حديث 1336) .

ربط إجازة الاستثمار بنسبة المال الحرام يخالف تحريم الربا
الأخذ بما ورد في الاجتهادات المعاصرة باعتبار المال حلال بحكم غلبة معظمه قد يكون مقبولاً لتشريع التبرع للغير بمال مصدره أو مصدر بعضه ربوي فيستفيد منه الغير دون اعتباره زكاة أو صدقة ، ولكن لا يمكن تفسير الأخذ بهذا الحكم الفقهي لتشريع استثمار البنوك الإسلامية في أسهم الشركات بمراعاة نسبة المال الربوي في موجوداتها أو دخلها . إن الاستناد إلى هذا الحكم فيه تشريع للإسترباح من نتاج مال بعضه حرام ، كما فيه إجازة لبنوك ربوية لافتتاح نوافذ أو فروع إسلامية برأسمال كله أو بعضه حرام ، والربا كثيره أو قليله حرام بنص القرآن الكريم " فلكم رءؤس أموالكم" (البقرة : 279) . كما وأن فرص الاستثمار الحلال كثيرة لا تبرر ضرورة تشريع استغلال قليل من مال حرام .


"وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" (الشورى 42 : 10)

توزيع الثروة ... بين الفكر البشري و شريعة الخالق


توزيع الثروة ... بين الفكر البشري و شريعة الخالق

تتكون ثروة الفرد بنتيجة تراكم دخوله المتلاحقة بعد تخفيضها بما تم إنفاقه منها . مشكلة تباين الثروات موجودة فى الكثير من المجتمعات وعبر العصور ، وهى مشكلة تثير الكثير من المجادلات ، على سبيل المثال ، يؤكد الماركسيون على أهمية المساواة لتحقيق الحرية السياسية ، فيرون أن يقوم توزيع الثروات على أساس الإحتياجات الفردية ، أما الليبراليون فيرون أنه من الطبيعي أن تتفاوت دخول الأفراد حيث أنهم يولدون غير متساوين ، وبينما يتجه أصحاب نظرة القدرات إلى أن الفقر والتباين فى الدخول هو نتيجة قصور فى القدرات ، فحيث تنخفض القدرات يقل الدخل والعكس صحيح ، فإن الاستحقاقيون ينظرون إلى أن تباين الدخول على أنه أمر مفيد طالما يعكس المهارة والجهد الفردي ، ولكنه أمر مدمر حين يعكس عوامل موروثة أو فرص غير متاحة أو ظلم فى توزيع الثروة . 

تتميز الاقتصاديات المعاصرة بتنامى الفقر واتساع الفجوة بين دخول الأفراد . تشير الدراسة التى أعدها المعهد الدولى لأبحاث التنمية الاقتصادية بجامعة الأمم المتحدة إلى أن 1% من البالغين يملكون وحدهم فى عام 2000 ما نسبته 40% من مجموع الأصول فى العالم ، وأن  10% من البالغين يملكون 85% من إجمالى الأصول فى العالم ، وبالمقابل فإن نصف سكان العالم من البالغين الأكثر فقراً يمتلكون 1% من ثروة العالم .

بينما يمثل النمو هدف النظام الاقتصادي على المستوى القومي ، فإن التوزيع العادل للدخول يمثل هدف النظام على المستوى الفردي . فى محاولاتها للحد من إتساع الفجوة بين الدخول ، تتبع الدول سياسات مختلفة لإعادة توزيع الدخول . تختلف سياسات إعادة التوزيع بين الدول باختلاف النظام الاقتصادي المتبع . تبنى الرأسماليون بعض أنظمة الرعاية الاجتماعية التى تشمل مختلف أنواع المساعدات العامة مثل تعويضات البطالة وإسكان ذوى الدخل المحدود وبطاقات التموين والخدمات المجانية ودعم المواد الضرورية والمساعدات النقدية إضافة إلى أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد ، وكذلك رفع الأجور لمواجهة أعباء المعيشة ، الأمر الذى يتنافى مع كون الأجر عائد الإنتاجية . يترتب على أنظمة الرعاية الاجتماعية زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع الأجور ، وبالتالى ارتفاع معدل التضخم . بالمحصلة فشلت الأنظمة الاجتماعية التى قدمها النظام الرأسمالي فى تحقيق الأمن المادى  . وكذلك فشلت الأنظمة الاشتراكية فى تحقيق الرخاء إذ أن محاولات  المساواة بين الدخول أفقدت العمال الحافز المادي وتولت البيروقراطية إدارة الموارد وحلت البروليتاريا محل البرجوازية . فى النظامين الرأسمالى والاشتراكى ، تعتمد سياسات إعادة توزيع الدخول على إتساع نطاق وظيفة الدولة مما يساعد على تركز السلطة إضافة إلى الثروة فى يد فئة قليلة . فبينما تجاهلت الاشتراكية حق الملكية الخاصة شرعت الرأسمالية للأثرياء الاستيلاء على ممتلكات المستهلكين عن طريق التضخم .


أسباب تباين الدخول
تتعدد أسباب تباين الدخول فى المجتمعات ، ولكن العوامل الرئيسية التى تؤثر على مقدرة الأفراد لتنمية مداخيلهم ، بصرف النظر عن أدائهم فى العمل ، تشمل عوامل طبيعية إضافة إلى التضخم .
·         يقصد بالعوامل الطبيعية الاختلاف الطبيعي بين الأفراد نتيجة إختلاف القدرات الخلقية و نمط الحياة ودورة الحياة والبيئة المحيطة . يولد الناس مختلفى القدرات فى الذكاء والإبداع والقوة والشخصية ، والبعض يولد معاقاً . ينشأ كل إنسان فى ظروف مختلفة فقد ينمو طفل فى بيئة فقيرة خطرة ويتعلم فى مدارس فقيرة ويحظى برعاية طبية ضئيلة ، بينما ينعم أطفال الأثرياء بالعيش فى أمان والحصول على مستوى تعليمي ورعاية صحية أفضل ، كما ويتمكن الذين لديهم ثروة من استثمارها لتنمية ثرواتهم . البعض قد يتعرض لحادث تجعله معاقاً ، كما لا يمكن لطفل أو كهل أن يكتسب دخلاً من عمل . يتأثر السلوك الفردي لتنمية الثروة بخصوصيات المجتمعات مثل الحضارة والتقاليد والدين والتمييز بين الجنسين وإختلاف النظرة إلى الأولويات والتمييز العنصري .
·         يتسبب التضخم فى عدم مساواة متعمد ، إذ يسمح بتشريع عملية ظلم إجتماعي تمكن من الحصول على مكاسب خاصة على حساب خسارة عامة الناس . فالتضخم ينشأ عن استعمال النقود فى دفع عوائد عمليات غير إنتاجية (فوائد ، ضرائب ، أرباح مضاربات ، كسب غير مشروع) فيزيد حجم الدخل القومي على القيمة الحقيقية للناتج القومي التى تتمثل فى عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية (الإيجار والأجور والربح) ، ولما كانت القيمة السوقية للناتج القومي تعادل الدخل القومي وفق معادلة الحسابات القومية ، فإن التضخم ينطوى على سرقة أموال المستهلكين لصالح الأثرياء من الممولين والمضاربين والمفسدين إضافة إلى أنه يترتب عليه زيادة أرباح المستثمرين بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج . أما فيما يتعلق بالضرائب فإن الدولة تحصل ما يغطى نفقاتها من دافعى الضرائب ثم تحسب الضرائب عند التسعير ليتحملها المستهلكون . 

بينما يتسبب التضخم فى ممارسة عملية ظلم إجتماعي ، فإن العوامل الطبيعية لها ما يبررها إذ تعمل على تحقيق التعاون الاجتماعي اللازم لتقدم المجتمعات وبناء الحضارات . إذا كان الناس متساوين تماماً فسيكون لكلٍ منهم نفس الدور فى المجتمع ، فاختلاف الناس ضروري لاستمرارية الحياة بشكلها القائم . لا يمكن بناء سد من قبل مهندسين فقط وإنما يتوجب توفر عمال ، كما لا توجد حاجة للطبيب ما لم يوجد مرضى .  بدون تعاون إجتماعي لن يكون هناك أغنياء ، ولكن يترتب على التعاون الاجتماعي تباين فى مساهمات الأفراد فى بناء المجتمع وبالتالى إختلاف فى السلوك للحصول على الثروة فيكون هناك فقراء وأغنياء .
لذلك فإن إعادة توزيع الثروة ليست مسألة تطبيق أنظمة رعاية إجتماعية أو ضمان إجتماعي أو تقديم مساعدات أو التبرع للفقراء أو المساواة المطلقة بين الناس ، وإنما هي حاجة ومصلحة للأغنياء لضمان استمرار حصولهم على التعاون الاجتماعي المطلوب لتنمية ثرواتهم إضافة للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي اللازم لحمايتهم وثرواتهم .

أحكام توزيع الدخول فى الإسلام
خلافاً للأنظمة الاقتصادية الوضعية ، فإن الإسلام يحدد أحكام توزيع الثروة من خلال بيان حقوق وواجبات الأفراد فيما يتعلق بالدخل والإنفاق ، وثم بيان ضوابط تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع .
أولاً : مشروعية الدخل
لما كان الاقتصاد الإسلامي اقتصاد إنتاجي ، فإن الدخل القومي يمثل مجموع عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية . أما دخل الفرد فيتكون ، أساساً ، من ما يحصل عليه الفرد من نصيب فى عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية مقابل مشاركته فى العملية الإنتاجية ، إضافة إلى ما قد يحصل عليه من نصيب فى ميراث .
·           مشروعية دخل الميراث
"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضا" (النساء 4 : 7) . يمثل دخل الميراث انتقال للثروة فيما بين الأفراد لذلك لا يؤثر على الدخل القومي . تحدد آيات القرآن الكريم فى سورة البقرة الورثة ونصيب كلٍ منهم فى التركة .
ثانياً : توزيع الدخل
·           مشروعية تفاضل الدخول
"والله فضل بعضكم على بعض في الرزق" (النحل 16 : 71) . يقر الإسلام بتفاوت الدخول بين الناس كنتيجة لإختلاف القدرات والمؤهلات الخاصة بكل فرد واختلاف نصيب كل منهم فى الميراث . تتكون ثروة الفرد وتنمو بنتيجة تراكم الدخول بعد استنزال ما ينفق منها . ويؤكد القرآن الكريم على وجوب احترام الثروة الخاصة أو ما يعرف بالملكية الخاصة  "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (البقرة 2 :188) .
ثالثاً : أوجه التصرف فى الدخل
توضح آيات القرآن الكريم أوجه التصرف فى الدخل لتغطية تكاليف المعيشة ، وثم تبين أوجه التصرف فى الفائض من الدخل بعد الإنفاق على المعيشة .
1-    التصرف فى المال للمعيشة :
·         مشروعية الإنفاق للمعيشة : "ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معاش " (الأعراف 7 : 10) .
·         وجوب الإنفاق على الزوجة : "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" (النساء 4 : 34) .
·         وجوب الإنفاق على العائلة : "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" (البقرة 2 :215).
2-    التصرف فى المال الفائض :
·         مشروعية إنفاق المال الفائض : "وأنفقوا في سبيل الله" (البقرة 2 : 195) . تفرض الآية الكريمة الإنفاق فى سبيل الله لما فيه خير المجتمعات ، وتحدد آيات أخرى الطريق لذلك بفرض الزكاة والجهاد بالمال وكذلك الحث على التصدق بالمال  .
·         فرض الزكاة : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (التوبة 9 : 103) . الزكاة ضريبة على الثروة تطهر النفس ، وتحمي المال من الحسد والحقد . خلافاً للضرائب الحالية التى تمثل إيراداً لتغطية نفقات الدولة ، فإن الزكاة ضريبة مفروضة على الأغنياء تصرف للفقراء وفى أوجه محددة . "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (التوبة 9 : 60) .
·         فرض الجهاد بالمال : "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" (التوبة 9 : 41) .
·         مشروعية الصدقات : "فأما من أعطى وألقى ، وصدق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى" (الليل 92 : 5-7) .
رابعاً : ضوابط التصرف فى الدخل
1-    ضوابط التصرف فى المال للمعيشة
تؤكد آيات القرآن الكريم على وجوب الاعتدال في الإنفاق على المعيشة .
·         تحريم البخل : "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا" (النساء 4 : 37) .
·         تحريم الإسراف : "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأنعام 6 : 141) .
·         الإلزام بالإنفاق بحدود الإمكانات المادية : "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج" (التوبة 9 : 91) .
2-    ضوابط التصرف فى المال الفائض
·         الإنفاق بكامل الفائض : "يسألونك عما ينفقون قل العفو" (البقرة 2 : 219) . بخلاف ضوابط الإنفاق على المعيشة ، فإن الإنفاق في سبيل الله لما فيه خير المجتمع يكون بكل ما فضَل عن قدر الحاجة المعيشية .
·         الإنفاق بما يتناسب مع السعة المالية : "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آته الله لا يكلف الله نفساً إلا ما ءاتاها" (الطلاق 65 : 7) .
خامساً : مشروعية إعادة توزيع الدخول
·           تستمد مشروعية إعادة توزيع الدخول من نص الآية الكريمة  "كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم" ( الحشر : 7) .
سادساً : ضوابط إعادة توزيع الدخل
تؤكد أحكام القرآن الكريم المتعلقة بإعادة توزيع الدخول على حق كل فرد فى الحصول على سبل العيش بشرط سعيه للحصول عليها .
·           فرض السعي  : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم 53 : 39) . ليس للإنسان أن يحصل على شيء من منافع أو منتجات دون السعي والعمل لإكتساب الرزق الذى يمكنه من الحصول عليها (لا شيء بدون مقابل) .
·           محدودية السعي : "لا نكلف نفساً إلا وسعها" (المؤمنون 23 : 62) .
·           محدودية الدخل : "قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدِر" (سبأ 34 : 36) . على الإنسان السعي للحصول على الرزق ، ولكن قد لا يتمكن الفرد بنتيجة سعيه من الحصول على دخل كافٍ لتغطية متطلبات المعيشة لصغر عمره أو لمرض أو عجز أو محدودية المقدرة الشخصية أو لأى سبب آخر . فُُُرض على الإنسان السعي أما الرزق فعلى الله .
·           مشروعية الحق فى تغطية عجز الدخل : "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (الذاريات 51 : 19) . حيث قد تتجاوز متطلبات المعيشة ما تمكن الإنسان من إكتسابه من رزق في حدود سعته ، فإن الآية الكريمة تشرع حق محدودي الدخل في إقتناء سبل العيش ، كما تلزم من تتجاوز دخولهم نفقات المعيشة بإعطاء هذا الحق لمستحقيه .

بمراعاة اختلاف متطلبات وتكاليف الحياة المعاصرة عما كانت عليه قديماً ، فإنه يمكن صياغة مباديء إعادة توزيع الدخول بما يتوافق مع أحكام الإسلام كما يلى :
·           التزام كل فرد ، من القوة العاملة ، أن يعمل ضمن حدود مقدرته للحصول على دخل .
·           التزام كل رب أسرة بأن يدفع ثمن متطلبات معيشته وزوجته والمعالين من قبله (لا شيء بدون مقابل) .
وبالمقابل :
·         الإقرار بحق الفقراء ومحدودى الدخل فى الحصول على تعويض عن الاختلاف الطبيعي فى قدراتهم وعن الاستيلاء على ممتلكاتهم عن طريق التضخم .
·         اعتماد سياسة إعادة توزيع للدخول عادلة تعطى كل فرد ، كبيراً أوصغيراً ، معاقاً أو معافاً ، ذكر أو أنثى ، الحق فى العيش فى مستوى معيشي معياري مقبول عن طريق التزام أصحاب الفائض فى الدخل ، بوصفهم المنتفعون من تباين الدخول ، بتغطية العجز فى دخول الآخرين .
·         التزام أصحاب الفائض فى الدخل تجاه المجتمع قد تصل إلى كامل قيمة الفائض .

خلاصة القول ، أن الله عز وجل خلق الناس بقدرات كسب متفاوتة وكلف البشر باتباع نظام محدد لإعادة توزيع الدخول ، لذلك فإنه يقع على الدولة والبشر واجب التقيد بأحكام إعادة توزيع الثروات التى وضعها الخالق .

نظام الأمن المادي
تشمل تكاليف المعيشة ، بوجه عام ، تكاليف المستهلكات والتكاليف العامة :
1.      تكاليف المستهلكات
يقصد بتكاليف المستهلكات كلفة ضرورات المعيشة وخدمات المرافق . تشمل كلفة ضرورات المعيشة مجموع تكاليف المسكن والمأكل والمشرب والملبس والمولد والزواج والوفاة . تشمل خدمات المرافق جميع الخدمات التى تعتمد قيمتها على مقدار استهلاك الفرد مثل الكهرباء والماء والاتصالات ومواد الطاقة .
2.      التكاليف العامة
يقصد بالتكاليف العامة تكاليف السلع والخدمات التى يتوجب على المجتمع توفيرها لينتفع كل فرد منها بقدر حاجته ، ولأن حاجة الفرد منها غير ثابتة ولا يمكن تقديرها فإنها توزع على الأفراد بالتساوى بصرف النظر عن مقدار ما يستهلكه الفرد منها . تشمل التكاليف العامة كلفة خدمات الأفراد وخدمات المجتمع وخدمات الحماية .
·         تشمل خدمات الأفراد الخدمات التى توجه مباشرة إلى كل فرد مثل الرعاية الصحية والتعليم الإلزامي والخدمات الطارئة .
·         تشمل خدمات المجتمع الخدمات التى لا توجه إلى شخص معين مثل شق الطرق وبناء السدود .
·         يقصد بخدمات الحماية الخدمات الحكومية التى يلتزم الجهاز الحكومي بتقديمها بحكم وظيفته ولا يجوز لغيره أن يقوم بتقديمها لدواعي أمنية ولتمكينه من حفظ حقوق الأفراد والتى تشمل التخطيط والمراقبة على مستوى الدولة والأمن الداخلي والدفاع والقضاء ، ويضاف إلى تكلفة الخدمات الحكومية التزامات الدين العام (إن وجد) حتى الانتهاء من تسديده .

تقدر الدولة تكاليف المستهلكات بمراعاة عمر الفرد وجنسه والمستوى المعيشي فى المجتمع ، كما توزع التكاليف العامة بالتساوى بين الأفراد . تحدد الدولة التكاليف المعيارية لمعيشة الفرد بمجموع تكاليف المستهلكات إضافة إلى حصة الفرد من التكاليف العامة . تتغير التكاليف المعيارية بتغير التزامات المجتمع ومتطلبات التنمية وتغير المستوى المعيشي فى المجتمع واختلاف تشكيلة الخدمات . كما يمكن زيادتها فى حالات الطواريء مثل الحروب والكوارث الطبيعية . لكل فرد الحق فى الانتفاع بخدمات خاصة بمستوى أعلى مقابل التزامه بتسديد فرق كلفة الخدمة لمقدمها .

تمثل التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة مجموع التكاليف المعيارية لمعيشة رب الأسرة والزوجة وجميع المعالين فى الأسرة بمراعاة عدد أفراد الأسرة . يمثل دخل الأسرة مجموع دخل رب الأسرة بالإضافة إلى ما تدفعه الزوجة وما يدفعه المعالين للمساهمة فى مصاريف الأسرة ، كما يشمل الدخل المكاسب الرأسمالية . يغطى نظام الأمن المادي نقص دخل الأسرة عن التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة .

يقتضى التحول إلى نظام الأمن المادي :
1.      أن يتم وضع ضوابط لتجنب الاعتماد على نظام التغطية والتزام كل شخص ، يعد ضمن القوة العاملة ، بأن يعمل ضمن طاقته . وكذلك الزام كل رب أسرة بدفع تكاليف مستهلكات أسرته و حصة الأسرة فى التكاليف العامة ، أما عجز دخل الأسرة عن تغطية التكاليف المعيارية لمعيشتها فيغطى عن طريق فرض ضريبة الثروة . ضريبة الثروة ضريبة تصاعدية تفرض على الزيادة فى دخل الأسرة على التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة ، وكذلك على الزيادة فى دخل كلٍ من الزوجة والمعالين على ما يدفع لرب الأسرة مساهمة فى تكاليف الأسرة . خلافاً للضرائب الحالية ، فإن ضريبة الثروة ليست إيراداً للدولة ، وإنما تقوم الحكومة بتحصيلها من دافعيها لدفعها إلى مستحقيها .
2.      أن يتم تقليص الإنفاق الحكومي لتعبر عن كلفة خدمات الحماية . تغطى تكاليف الخدمات الحكومية التى تقدمها الأجهزة الحكومية من حصة الدولة فى ما يحصل من أرباب الأسر مقابل التكاليف العامة .
ولا يمنع ذلك من قيام  الحكومة ، من مزاولة أنشطة إنتاجية لاستثمار الفائض من إيراداتها ولاستثمار المال العام من خلال مؤسسات القطاع العام بوصفها مؤسسات ربحية مملوكة للدولة كلياً أو جزئياً ، على أن تنفصل ميزانيات مؤسسات القطاع العام عن ميزانية الحكومة ، ويعاد توظيف إيرادات إستثمارات القطاع العام فى استثمارات تنموية لصالح المجتمع . من أمثلة مؤسسات القطاع العام الربحية ، التى غالباً ما تراها الدولة ضرورية لحماية حقوق أفراد المجتمع ، مؤسسات الطاقة والمياه والكهرباء والاتصالات بوصفها مؤسسات لاستثمار المال عام ، والمؤسسات الاستهلاكية بوصفها ضرورية لضبط أسعار المنتجات فى الأسواق والحد من جشع القطاع الخاص .

يترتب على تطبيق نظام الأمن المادي تحقق مجموعة من المزايا :
·         تأمين مستوى معيشي مقبول لجميع أفراد المجتمع .
·         توفير إيرادات كافية لتغطية الإنفاق الحكومي يتمثل فى عائدات الدولة مقابل الخدمات الحكومية .
·         ارتفاع معدل النمو الاقتصادي عن طريق استثمار الفائض فى إيرادات الدولة من مصادر أخرى فى مشاريع تنموية بواسطة مؤسسات القطاع العام أو من خلال القطاع المصرفي الاستثماري .
·         ارتفاع مستوى الخدمات العامة ، حيث تقدم الخدمات الحكومية بالتكلفة العادلة لها ، كما تقدم جميع الخدمات الأخرى من قبل مؤسسات ربحية تابعة للقطاع الخاص أو القطاع المصرفي أو القطاع العام .
·         الحد من التضخم نتيجة :
§         التخلص من أنظمة الرعاية الإجتماعية والضمان الاجتماعي وبرامج التقاعد الحكومي .
§         التخلص من رفع الأجور بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ، فالأجر هو عائد مقابل العمل وليس مساهمة فى تكاليف المعيشة . الأجر يحدده الطلب والعرض فى سوق العمل . يتقلص دور النقابات فى المطالبة برفع الأجور لمواجهة الزيادة المضطردة فى تكاليف المعيشة ، بينما يرتفع مستوى الاهتمام بسلامة العمال .
§         التخلص من أنظمة الضرائب القائمة .