الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

توزيع الثروة ... بين الفكر البشري و شريعة الخالق


توزيع الثروة ... بين الفكر البشري و شريعة الخالق

تتكون ثروة الفرد بنتيجة تراكم دخوله المتلاحقة بعد تخفيضها بما تم إنفاقه منها . مشكلة تباين الثروات موجودة فى الكثير من المجتمعات وعبر العصور ، وهى مشكلة تثير الكثير من المجادلات ، على سبيل المثال ، يؤكد الماركسيون على أهمية المساواة لتحقيق الحرية السياسية ، فيرون أن يقوم توزيع الثروات على أساس الإحتياجات الفردية ، أما الليبراليون فيرون أنه من الطبيعي أن تتفاوت دخول الأفراد حيث أنهم يولدون غير متساوين ، وبينما يتجه أصحاب نظرة القدرات إلى أن الفقر والتباين فى الدخول هو نتيجة قصور فى القدرات ، فحيث تنخفض القدرات يقل الدخل والعكس صحيح ، فإن الاستحقاقيون ينظرون إلى أن تباين الدخول على أنه أمر مفيد طالما يعكس المهارة والجهد الفردي ، ولكنه أمر مدمر حين يعكس عوامل موروثة أو فرص غير متاحة أو ظلم فى توزيع الثروة . 

تتميز الاقتصاديات المعاصرة بتنامى الفقر واتساع الفجوة بين دخول الأفراد . تشير الدراسة التى أعدها المعهد الدولى لأبحاث التنمية الاقتصادية بجامعة الأمم المتحدة إلى أن 1% من البالغين يملكون وحدهم فى عام 2000 ما نسبته 40% من مجموع الأصول فى العالم ، وأن  10% من البالغين يملكون 85% من إجمالى الأصول فى العالم ، وبالمقابل فإن نصف سكان العالم من البالغين الأكثر فقراً يمتلكون 1% من ثروة العالم .

بينما يمثل النمو هدف النظام الاقتصادي على المستوى القومي ، فإن التوزيع العادل للدخول يمثل هدف النظام على المستوى الفردي . فى محاولاتها للحد من إتساع الفجوة بين الدخول ، تتبع الدول سياسات مختلفة لإعادة توزيع الدخول . تختلف سياسات إعادة التوزيع بين الدول باختلاف النظام الاقتصادي المتبع . تبنى الرأسماليون بعض أنظمة الرعاية الاجتماعية التى تشمل مختلف أنواع المساعدات العامة مثل تعويضات البطالة وإسكان ذوى الدخل المحدود وبطاقات التموين والخدمات المجانية ودعم المواد الضرورية والمساعدات النقدية إضافة إلى أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد ، وكذلك رفع الأجور لمواجهة أعباء المعيشة ، الأمر الذى يتنافى مع كون الأجر عائد الإنتاجية . يترتب على أنظمة الرعاية الاجتماعية زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع الأجور ، وبالتالى ارتفاع معدل التضخم . بالمحصلة فشلت الأنظمة الاجتماعية التى قدمها النظام الرأسمالي فى تحقيق الأمن المادى  . وكذلك فشلت الأنظمة الاشتراكية فى تحقيق الرخاء إذ أن محاولات  المساواة بين الدخول أفقدت العمال الحافز المادي وتولت البيروقراطية إدارة الموارد وحلت البروليتاريا محل البرجوازية . فى النظامين الرأسمالى والاشتراكى ، تعتمد سياسات إعادة توزيع الدخول على إتساع نطاق وظيفة الدولة مما يساعد على تركز السلطة إضافة إلى الثروة فى يد فئة قليلة . فبينما تجاهلت الاشتراكية حق الملكية الخاصة شرعت الرأسمالية للأثرياء الاستيلاء على ممتلكات المستهلكين عن طريق التضخم .


أسباب تباين الدخول
تتعدد أسباب تباين الدخول فى المجتمعات ، ولكن العوامل الرئيسية التى تؤثر على مقدرة الأفراد لتنمية مداخيلهم ، بصرف النظر عن أدائهم فى العمل ، تشمل عوامل طبيعية إضافة إلى التضخم .
·         يقصد بالعوامل الطبيعية الاختلاف الطبيعي بين الأفراد نتيجة إختلاف القدرات الخلقية و نمط الحياة ودورة الحياة والبيئة المحيطة . يولد الناس مختلفى القدرات فى الذكاء والإبداع والقوة والشخصية ، والبعض يولد معاقاً . ينشأ كل إنسان فى ظروف مختلفة فقد ينمو طفل فى بيئة فقيرة خطرة ويتعلم فى مدارس فقيرة ويحظى برعاية طبية ضئيلة ، بينما ينعم أطفال الأثرياء بالعيش فى أمان والحصول على مستوى تعليمي ورعاية صحية أفضل ، كما ويتمكن الذين لديهم ثروة من استثمارها لتنمية ثرواتهم . البعض قد يتعرض لحادث تجعله معاقاً ، كما لا يمكن لطفل أو كهل أن يكتسب دخلاً من عمل . يتأثر السلوك الفردي لتنمية الثروة بخصوصيات المجتمعات مثل الحضارة والتقاليد والدين والتمييز بين الجنسين وإختلاف النظرة إلى الأولويات والتمييز العنصري .
·         يتسبب التضخم فى عدم مساواة متعمد ، إذ يسمح بتشريع عملية ظلم إجتماعي تمكن من الحصول على مكاسب خاصة على حساب خسارة عامة الناس . فالتضخم ينشأ عن استعمال النقود فى دفع عوائد عمليات غير إنتاجية (فوائد ، ضرائب ، أرباح مضاربات ، كسب غير مشروع) فيزيد حجم الدخل القومي على القيمة الحقيقية للناتج القومي التى تتمثل فى عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية (الإيجار والأجور والربح) ، ولما كانت القيمة السوقية للناتج القومي تعادل الدخل القومي وفق معادلة الحسابات القومية ، فإن التضخم ينطوى على سرقة أموال المستهلكين لصالح الأثرياء من الممولين والمضاربين والمفسدين إضافة إلى أنه يترتب عليه زيادة أرباح المستثمرين بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج . أما فيما يتعلق بالضرائب فإن الدولة تحصل ما يغطى نفقاتها من دافعى الضرائب ثم تحسب الضرائب عند التسعير ليتحملها المستهلكون . 

بينما يتسبب التضخم فى ممارسة عملية ظلم إجتماعي ، فإن العوامل الطبيعية لها ما يبررها إذ تعمل على تحقيق التعاون الاجتماعي اللازم لتقدم المجتمعات وبناء الحضارات . إذا كان الناس متساوين تماماً فسيكون لكلٍ منهم نفس الدور فى المجتمع ، فاختلاف الناس ضروري لاستمرارية الحياة بشكلها القائم . لا يمكن بناء سد من قبل مهندسين فقط وإنما يتوجب توفر عمال ، كما لا توجد حاجة للطبيب ما لم يوجد مرضى .  بدون تعاون إجتماعي لن يكون هناك أغنياء ، ولكن يترتب على التعاون الاجتماعي تباين فى مساهمات الأفراد فى بناء المجتمع وبالتالى إختلاف فى السلوك للحصول على الثروة فيكون هناك فقراء وأغنياء .
لذلك فإن إعادة توزيع الثروة ليست مسألة تطبيق أنظمة رعاية إجتماعية أو ضمان إجتماعي أو تقديم مساعدات أو التبرع للفقراء أو المساواة المطلقة بين الناس ، وإنما هي حاجة ومصلحة للأغنياء لضمان استمرار حصولهم على التعاون الاجتماعي المطلوب لتنمية ثرواتهم إضافة للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي اللازم لحمايتهم وثرواتهم .

أحكام توزيع الدخول فى الإسلام
خلافاً للأنظمة الاقتصادية الوضعية ، فإن الإسلام يحدد أحكام توزيع الثروة من خلال بيان حقوق وواجبات الأفراد فيما يتعلق بالدخل والإنفاق ، وثم بيان ضوابط تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع .
أولاً : مشروعية الدخل
لما كان الاقتصاد الإسلامي اقتصاد إنتاجي ، فإن الدخل القومي يمثل مجموع عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية . أما دخل الفرد فيتكون ، أساساً ، من ما يحصل عليه الفرد من نصيب فى عوائد عوامل الإنتاج الحقيقية مقابل مشاركته فى العملية الإنتاجية ، إضافة إلى ما قد يحصل عليه من نصيب فى ميراث .
·           مشروعية دخل الميراث
"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضا" (النساء 4 : 7) . يمثل دخل الميراث انتقال للثروة فيما بين الأفراد لذلك لا يؤثر على الدخل القومي . تحدد آيات القرآن الكريم فى سورة البقرة الورثة ونصيب كلٍ منهم فى التركة .
ثانياً : توزيع الدخل
·           مشروعية تفاضل الدخول
"والله فضل بعضكم على بعض في الرزق" (النحل 16 : 71) . يقر الإسلام بتفاوت الدخول بين الناس كنتيجة لإختلاف القدرات والمؤهلات الخاصة بكل فرد واختلاف نصيب كل منهم فى الميراث . تتكون ثروة الفرد وتنمو بنتيجة تراكم الدخول بعد استنزال ما ينفق منها . ويؤكد القرآن الكريم على وجوب احترام الثروة الخاصة أو ما يعرف بالملكية الخاصة  "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" (البقرة 2 :188) .
ثالثاً : أوجه التصرف فى الدخل
توضح آيات القرآن الكريم أوجه التصرف فى الدخل لتغطية تكاليف المعيشة ، وثم تبين أوجه التصرف فى الفائض من الدخل بعد الإنفاق على المعيشة .
1-    التصرف فى المال للمعيشة :
·         مشروعية الإنفاق للمعيشة : "ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معاش " (الأعراف 7 : 10) .
·         وجوب الإنفاق على الزوجة : "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" (النساء 4 : 34) .
·         وجوب الإنفاق على العائلة : "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين" (البقرة 2 :215).
2-    التصرف فى المال الفائض :
·         مشروعية إنفاق المال الفائض : "وأنفقوا في سبيل الله" (البقرة 2 : 195) . تفرض الآية الكريمة الإنفاق فى سبيل الله لما فيه خير المجتمعات ، وتحدد آيات أخرى الطريق لذلك بفرض الزكاة والجهاد بالمال وكذلك الحث على التصدق بالمال  .
·         فرض الزكاة : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (التوبة 9 : 103) . الزكاة ضريبة على الثروة تطهر النفس ، وتحمي المال من الحسد والحقد . خلافاً للضرائب الحالية التى تمثل إيراداً لتغطية نفقات الدولة ، فإن الزكاة ضريبة مفروضة على الأغنياء تصرف للفقراء وفى أوجه محددة . "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (التوبة 9 : 60) .
·         فرض الجهاد بالمال : "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" (التوبة 9 : 41) .
·         مشروعية الصدقات : "فأما من أعطى وألقى ، وصدق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى" (الليل 92 : 5-7) .
رابعاً : ضوابط التصرف فى الدخل
1-    ضوابط التصرف فى المال للمعيشة
تؤكد آيات القرآن الكريم على وجوب الاعتدال في الإنفاق على المعيشة .
·         تحريم البخل : "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهينا" (النساء 4 : 37) .
·         تحريم الإسراف : "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأنعام 6 : 141) .
·         الإلزام بالإنفاق بحدود الإمكانات المادية : "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج" (التوبة 9 : 91) .
2-    ضوابط التصرف فى المال الفائض
·         الإنفاق بكامل الفائض : "يسألونك عما ينفقون قل العفو" (البقرة 2 : 219) . بخلاف ضوابط الإنفاق على المعيشة ، فإن الإنفاق في سبيل الله لما فيه خير المجتمع يكون بكل ما فضَل عن قدر الحاجة المعيشية .
·         الإنفاق بما يتناسب مع السعة المالية : "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آته الله لا يكلف الله نفساً إلا ما ءاتاها" (الطلاق 65 : 7) .
خامساً : مشروعية إعادة توزيع الدخول
·           تستمد مشروعية إعادة توزيع الدخول من نص الآية الكريمة  "كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم" ( الحشر : 7) .
سادساً : ضوابط إعادة توزيع الدخل
تؤكد أحكام القرآن الكريم المتعلقة بإعادة توزيع الدخول على حق كل فرد فى الحصول على سبل العيش بشرط سعيه للحصول عليها .
·           فرض السعي  : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم 53 : 39) . ليس للإنسان أن يحصل على شيء من منافع أو منتجات دون السعي والعمل لإكتساب الرزق الذى يمكنه من الحصول عليها (لا شيء بدون مقابل) .
·           محدودية السعي : "لا نكلف نفساً إلا وسعها" (المؤمنون 23 : 62) .
·           محدودية الدخل : "قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدِر" (سبأ 34 : 36) . على الإنسان السعي للحصول على الرزق ، ولكن قد لا يتمكن الفرد بنتيجة سعيه من الحصول على دخل كافٍ لتغطية متطلبات المعيشة لصغر عمره أو لمرض أو عجز أو محدودية المقدرة الشخصية أو لأى سبب آخر . فُُُرض على الإنسان السعي أما الرزق فعلى الله .
·           مشروعية الحق فى تغطية عجز الدخل : "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (الذاريات 51 : 19) . حيث قد تتجاوز متطلبات المعيشة ما تمكن الإنسان من إكتسابه من رزق في حدود سعته ، فإن الآية الكريمة تشرع حق محدودي الدخل في إقتناء سبل العيش ، كما تلزم من تتجاوز دخولهم نفقات المعيشة بإعطاء هذا الحق لمستحقيه .

بمراعاة اختلاف متطلبات وتكاليف الحياة المعاصرة عما كانت عليه قديماً ، فإنه يمكن صياغة مباديء إعادة توزيع الدخول بما يتوافق مع أحكام الإسلام كما يلى :
·           التزام كل فرد ، من القوة العاملة ، أن يعمل ضمن حدود مقدرته للحصول على دخل .
·           التزام كل رب أسرة بأن يدفع ثمن متطلبات معيشته وزوجته والمعالين من قبله (لا شيء بدون مقابل) .
وبالمقابل :
·         الإقرار بحق الفقراء ومحدودى الدخل فى الحصول على تعويض عن الاختلاف الطبيعي فى قدراتهم وعن الاستيلاء على ممتلكاتهم عن طريق التضخم .
·         اعتماد سياسة إعادة توزيع للدخول عادلة تعطى كل فرد ، كبيراً أوصغيراً ، معاقاً أو معافاً ، ذكر أو أنثى ، الحق فى العيش فى مستوى معيشي معياري مقبول عن طريق التزام أصحاب الفائض فى الدخل ، بوصفهم المنتفعون من تباين الدخول ، بتغطية العجز فى دخول الآخرين .
·         التزام أصحاب الفائض فى الدخل تجاه المجتمع قد تصل إلى كامل قيمة الفائض .

خلاصة القول ، أن الله عز وجل خلق الناس بقدرات كسب متفاوتة وكلف البشر باتباع نظام محدد لإعادة توزيع الدخول ، لذلك فإنه يقع على الدولة والبشر واجب التقيد بأحكام إعادة توزيع الثروات التى وضعها الخالق .

نظام الأمن المادي
تشمل تكاليف المعيشة ، بوجه عام ، تكاليف المستهلكات والتكاليف العامة :
1.      تكاليف المستهلكات
يقصد بتكاليف المستهلكات كلفة ضرورات المعيشة وخدمات المرافق . تشمل كلفة ضرورات المعيشة مجموع تكاليف المسكن والمأكل والمشرب والملبس والمولد والزواج والوفاة . تشمل خدمات المرافق جميع الخدمات التى تعتمد قيمتها على مقدار استهلاك الفرد مثل الكهرباء والماء والاتصالات ومواد الطاقة .
2.      التكاليف العامة
يقصد بالتكاليف العامة تكاليف السلع والخدمات التى يتوجب على المجتمع توفيرها لينتفع كل فرد منها بقدر حاجته ، ولأن حاجة الفرد منها غير ثابتة ولا يمكن تقديرها فإنها توزع على الأفراد بالتساوى بصرف النظر عن مقدار ما يستهلكه الفرد منها . تشمل التكاليف العامة كلفة خدمات الأفراد وخدمات المجتمع وخدمات الحماية .
·         تشمل خدمات الأفراد الخدمات التى توجه مباشرة إلى كل فرد مثل الرعاية الصحية والتعليم الإلزامي والخدمات الطارئة .
·         تشمل خدمات المجتمع الخدمات التى لا توجه إلى شخص معين مثل شق الطرق وبناء السدود .
·         يقصد بخدمات الحماية الخدمات الحكومية التى يلتزم الجهاز الحكومي بتقديمها بحكم وظيفته ولا يجوز لغيره أن يقوم بتقديمها لدواعي أمنية ولتمكينه من حفظ حقوق الأفراد والتى تشمل التخطيط والمراقبة على مستوى الدولة والأمن الداخلي والدفاع والقضاء ، ويضاف إلى تكلفة الخدمات الحكومية التزامات الدين العام (إن وجد) حتى الانتهاء من تسديده .

تقدر الدولة تكاليف المستهلكات بمراعاة عمر الفرد وجنسه والمستوى المعيشي فى المجتمع ، كما توزع التكاليف العامة بالتساوى بين الأفراد . تحدد الدولة التكاليف المعيارية لمعيشة الفرد بمجموع تكاليف المستهلكات إضافة إلى حصة الفرد من التكاليف العامة . تتغير التكاليف المعيارية بتغير التزامات المجتمع ومتطلبات التنمية وتغير المستوى المعيشي فى المجتمع واختلاف تشكيلة الخدمات . كما يمكن زيادتها فى حالات الطواريء مثل الحروب والكوارث الطبيعية . لكل فرد الحق فى الانتفاع بخدمات خاصة بمستوى أعلى مقابل التزامه بتسديد فرق كلفة الخدمة لمقدمها .

تمثل التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة مجموع التكاليف المعيارية لمعيشة رب الأسرة والزوجة وجميع المعالين فى الأسرة بمراعاة عدد أفراد الأسرة . يمثل دخل الأسرة مجموع دخل رب الأسرة بالإضافة إلى ما تدفعه الزوجة وما يدفعه المعالين للمساهمة فى مصاريف الأسرة ، كما يشمل الدخل المكاسب الرأسمالية . يغطى نظام الأمن المادي نقص دخل الأسرة عن التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة .

يقتضى التحول إلى نظام الأمن المادي :
1.      أن يتم وضع ضوابط لتجنب الاعتماد على نظام التغطية والتزام كل شخص ، يعد ضمن القوة العاملة ، بأن يعمل ضمن طاقته . وكذلك الزام كل رب أسرة بدفع تكاليف مستهلكات أسرته و حصة الأسرة فى التكاليف العامة ، أما عجز دخل الأسرة عن تغطية التكاليف المعيارية لمعيشتها فيغطى عن طريق فرض ضريبة الثروة . ضريبة الثروة ضريبة تصاعدية تفرض على الزيادة فى دخل الأسرة على التكاليف المعيارية لمعيشة الأسرة ، وكذلك على الزيادة فى دخل كلٍ من الزوجة والمعالين على ما يدفع لرب الأسرة مساهمة فى تكاليف الأسرة . خلافاً للضرائب الحالية ، فإن ضريبة الثروة ليست إيراداً للدولة ، وإنما تقوم الحكومة بتحصيلها من دافعيها لدفعها إلى مستحقيها .
2.      أن يتم تقليص الإنفاق الحكومي لتعبر عن كلفة خدمات الحماية . تغطى تكاليف الخدمات الحكومية التى تقدمها الأجهزة الحكومية من حصة الدولة فى ما يحصل من أرباب الأسر مقابل التكاليف العامة .
ولا يمنع ذلك من قيام  الحكومة ، من مزاولة أنشطة إنتاجية لاستثمار الفائض من إيراداتها ولاستثمار المال العام من خلال مؤسسات القطاع العام بوصفها مؤسسات ربحية مملوكة للدولة كلياً أو جزئياً ، على أن تنفصل ميزانيات مؤسسات القطاع العام عن ميزانية الحكومة ، ويعاد توظيف إيرادات إستثمارات القطاع العام فى استثمارات تنموية لصالح المجتمع . من أمثلة مؤسسات القطاع العام الربحية ، التى غالباً ما تراها الدولة ضرورية لحماية حقوق أفراد المجتمع ، مؤسسات الطاقة والمياه والكهرباء والاتصالات بوصفها مؤسسات لاستثمار المال عام ، والمؤسسات الاستهلاكية بوصفها ضرورية لضبط أسعار المنتجات فى الأسواق والحد من جشع القطاع الخاص .

يترتب على تطبيق نظام الأمن المادي تحقق مجموعة من المزايا :
·         تأمين مستوى معيشي مقبول لجميع أفراد المجتمع .
·         توفير إيرادات كافية لتغطية الإنفاق الحكومي يتمثل فى عائدات الدولة مقابل الخدمات الحكومية .
·         ارتفاع معدل النمو الاقتصادي عن طريق استثمار الفائض فى إيرادات الدولة من مصادر أخرى فى مشاريع تنموية بواسطة مؤسسات القطاع العام أو من خلال القطاع المصرفي الاستثماري .
·         ارتفاع مستوى الخدمات العامة ، حيث تقدم الخدمات الحكومية بالتكلفة العادلة لها ، كما تقدم جميع الخدمات الأخرى من قبل مؤسسات ربحية تابعة للقطاع الخاص أو القطاع المصرفي أو القطاع العام .
·         الحد من التضخم نتيجة :
§         التخلص من أنظمة الرعاية الإجتماعية والضمان الاجتماعي وبرامج التقاعد الحكومي .
§         التخلص من رفع الأجور بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ، فالأجر هو عائد مقابل العمل وليس مساهمة فى تكاليف المعيشة . الأجر يحدده الطلب والعرض فى سوق العمل . يتقلص دور النقابات فى المطالبة برفع الأجور لمواجهة الزيادة المضطردة فى تكاليف المعيشة ، بينما يرتفع مستوى الاهتمام بسلامة العمال .
§         التخلص من أنظمة الضرائب القائمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق