الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

الصكوك ... بين الفكر البشري وشريعة الخالق


الصكوك ... بين الفكر البشري وشريعة الخالق

الصك هو إثبات حق لصاحبه أو حامله تجاه طرف آخر قد يكون شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً ،  والتصكيك كلمة مستحدثة يرادفها فى الفقه الإسلامي كلمة " التورق " ، والتوريق (أو التصكيك أو التسنيد) نوعان :
أولاً : تصكيك الديون 
ويقصد به تحويل الديون إلى صكوك (سندات) متساوية القيمة قابلة للتداول . تمثل السندات ديناً بفائدة لحاملها فى ذمة مصدرها ، وتشمل :
1.     صكوك قروض الرهونات العقارية Mortgage Backed Securities . ينتقل فيها حق المطالبة بأقسط القرض إلى المستثمرين بضمان الرهونات العقارية .
2.     صكوك الديون Debt Backed Securities . ينتقل فيها حق تحصيل الديون إلى المستثمرين بموجب حوالة حق . وتكون بضمان الديون أو المتحصلات ، وقد تقدم ضمانات أخرى ، ومن أمثلتها:
·         صكوك ديون بطاقات الائتمان التى يمنحها المورق .
·         صكوك ديون تمويل الأصول مثل السيارات والسفن والطائرات .
·         صكوك الفوائد التى تستحق مستقبلاُ للمورق نتيجة إقراضه الغير .
·         صكوك المستحقات التى تتحقق للمورق مستقبلاً نتيجة عملية تجارية قام أو يقوم بتنفيذها .
·         صكوك الحكومة التى تصدر لغايات تمويل تسديد الدين العام بضمان الدولة أو البنك المركزي .
جميع هذه الصكوك لا يجوز إصدارها أو تداولها شرعاً لأنها تقوم على الربا المحرم .
ثانياً : تصكيك الموجودات
ويقصد به تحويل االموجودات من الأعيان والمنافع والخدمات إلى صكوك متساوية القيمة قابلة للتداول . تمثل الصكوك حصصاً شائعة فى ملكية موجودات قائمة فعلاً أو سيتم إنشاؤها ، وتشمل :
1.     صكوك لشراء موجودات بثمن عاجل من أجل بيعها لمن اشتريت منه بثمن مؤجل . وهذه الصكوك غير جائزة شرعاً إذ تمثل تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه فى الذمة وهو ربا واضح . ويعرف البيع ببيع العينة . وقد عقد الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (8/184) بابا قال فيه : " باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد اشتراءها بنقد : أخبرنا معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأته : أنها دخلت على عائشة في نسوة ، فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين ! كانت لي جارية ، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة إلى أجل ، ثم اشتريتها منه بستمائة ، فنقدته الستمائة ، وكتبت عليه ثمانمائة ، فقالت عائشة : بئس والله ما اشتريت ! وبئس والله ما اشترى ! أخبري زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب .
2.     صكوك لشراء موجودات بثمن عاجل ممن اشتراها بثمن مؤجل بقصد بيعها إلى حملة الصكوك . وهذه الصكوك غير جائزة شرعاً لأن الاقتراض الربوي هو المقصود . قال عليه الصلاة والسلام " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرىء ما نوى" (رواه الستة) .
3.     الصكوك الاستثمارية التى تستمد مشروعيتها من مشروعية العقد الذى يُستند إليه فى إصدار الصكوك .

الصكوك الاستثمارية
يقصد بالصكوك الاستثمارية الصكوك التى تصدر بالاستناد إلى عقد شرعي . وقد عرفها المعيار 17 -2  الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بأنها وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، ويتم تداولها بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله . وتشمل الصكوك الاستثمارية بحسب المعيار 17 الصكوك التالية :
1.     صكوك المرابحة لشراء سلعة المرابحة نقداً ، ثم بيعها لغير من اشتريت منه بالأجل مرابحة .
2.     صكوك السلم لتمويل رأسمال السلم ، ثم بيع بضاعة السلم مساومة أو فى سلم موازٍ نقداً أو بالتقسيط .
3.     صكوك الاستصناع لتمويل الصانع ، ثم بيع المصنوع مساومة أو فى استصناع موازٍ نقداً أو بالتقسيط .
4.     صكوك خدمات طرف معين لشراء الخدمة (مثل خدمة مستشفى) نقداً ، ثم بيعها لطالبيها .
5.     صكوك خدمات طرف موصوف فى الذمة لتمويل الخدمة (مثل البرامج التعليمية) نقداً، ثم بيعها لطالبيها.
6.     صكوك منافع أعيان مملوكة ، لشراء المنفعة من مالك العين نقداً ، ثم تأجير العين .
7.     صكوك منافع مملوكة ، لشراء المنفعة من مالك المنفعة نقداً ، ثم إعادة تأجير العين .
8.     صكوك منافع موصوفة فى الذمة لشراء المنفعة من مالك المنفعة نقداً ، ثم تحصيل الإيجار .
9.     صكوك الشركة ، لتمويل مشروع أو نشاط يقوم على أساس الشركة .
10.    صكوك المضاربة لتمويل رأسمال المضاربة فى مشروع أو نشاط يقوم على أساس المضاربة .
11.    صكوك الوكالة بالاستثمار لتمويل مشروع أو نشاط يدار على أساس الوكالة مقابل أجر .
12.    صكوك المزارعة لتغطية تكاليف الزراعة فى أرض مالكها أو مالك منفعتها ، أو شراء الأرض لزراعتها ، وذلك مقابل حصة فى ربح بيع المحصول .
13.    صكوك المساقاة لتغطية تكاليف سقي ورعاية الأشجار فى أرض مالكها أو مالك منفعتها ، أو شراء الأرض مشجرة لسقيها ، وذلك مقابل حصة فى ربح بيع الثمار .
14.    صكوك المغارسة لتغطية تكاليف غرس الأشجار فى أرض مالكها أو مالك منفعتها ، أو شراء أرض لتشجيرها ، وذلك مقابل حصة فى الأرض والشجر .
15.    صكوك ملكية الموجودات المؤجرة أو الموعود باستئجارها ، الغاية منها شراء العين نقداً ، ثم بيعها نقداً أو بالتقسيط لغير من اشتريت منه أو بيعها عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك .
صيغة التأجير المنتهي بالتمليك أو البيع التأجيري هي صيغة مستحدثة تنطوى على مخالفات شرعية :
·         شرط البيع فى عقد الإجارة المنتهية بالتمليك يخالف ما صح عن النبي صل الله عليه وسلم أنه نهى عن صفقتين في صفقة واحدة ، وهاتان صفقتان في صفقة ، فالإجارة صفقة والبيع صفقة أخرى .
·         شرط البيع قبل انتهاء مدة الإجارة تتحقق فيه الجهالة بالصفة التى سيؤول إليها المأجور بعد انتها مدة الإجارة ، وقد نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن بيع الغرر الذى ينشأ عن الجهالة بالمبيع . وقد روي عن ابن عباس قال : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع تمر تمر حتى يطعم ، أو صوف على ظهر ، أو لبن فى ضرع ، أو سمن فى لبن " (رواه الدارقطنى) .
·         شرط الهبة أو التملك بعد آخر قسط فى عقد الإجارة هو تحايل لأن البيع هو المقصود ، وفى ذلك تناقض مع حديث الرسول صل الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء ما نوى" وهو حديث متفق عليه ، ولا عمل بدون نية .
شراء المأجور وتأجيره لمن اشتريت منه إجارة منتهية بالتمليك هو بيع عينة واضح .يتحقق التوافق مع الأحكام الشرعية وتجنب الشبهات بالاكتفاء بعقد إجارة لغير من أشتريت منه العين ، وبعد الانتهاء من تنفيذ العقد ، يجرى عقد البيع بالسعر الحقيقى الذى يتفق عليه الفرقاء أو تنتقل الملكية بالهبة دون أن يشترط البيع أو الهبة سلفاً .

مشروعية الصكوك الاستثمارية
·         يمثل الصك إثباتاً لحصة الشريك فى الشركة . وليس هناك ما يمنع من تعدد حملة الصكوك .
·         تصدر الصكوك على أساس عقد من العقود المشروعة وتأخذ أحكامه ، وليس هناك ما يمنع من أن تكون الموجودات أعيان أو منافع أو حقوق أو خليط من الأعيان والمنافع والنقود والديون ، أو أن تكون الموجودات قائمة فعلاً أو سيتم إنشاؤها عن طريق استثمار حصيلة الاكتتاب فى الصكوك .
·         تشكل حصيلة الاكتتاب رأسمال فى شركة تستمد شرعيتها من شرعية شركات العنان حيث تتحقق فيها أركان الشركة عند الشافعية والمالكية والحنابلة والأحناف ، فهي تقوم على أساس التراضي إذ تعد دعوة مصدر الصكوك إلى الاشتراك معه إيجاباً واستجابة الآخرين يعتبر قبولاً ، كما ويحدد نظام إصدارها محلها وموضوعها .
·         يمثل الصك حصة شائعة فى ملكية موجودات الشركة  مقابل اشتراكه فى الربح بالنسبة المحددة وتحمله الخسارة بقدر الحصة التى يمثلها ، وكذلك يتحمل الأعباء المترتبة على ملكية الموجودات مثل مصروفات الصيانة والتأمين ، كما يتحمل جميع مخاطر الاستثمار ، غير التعدى والتقصير ،  مثل مخاطر تقلب أسعار أصول التصكيك ، مخاطر إفلاس المؤسسات الضامنة ، مخاطر تقلب أسعار العملات ، مخاطر التضخم ، مخاطر الائتمان ، مخاطر إدارة المصدر .
·         حملة الصكوك ملاك لما تمثله صكوكهم والإدارة فرع الملك ، وليس هناك ما يمنع من تصرف مصدر الصكوك فى إدارة الاستثمار ، وحصر مسؤولية حامل الصك بحدود قيمة الصك مشابه لمسؤولية رب المال فى شركة المضاربة .

إصدار الصكوك الاستثمارية
تبين نشرة إصدار الصكوك  ، وهى العقد الذى يصدر صك الاستثمار على أساسه ، ما يلى :
1.     بيان موضوع الإصدار وشروطه ، وفيه شرح وافٍ للعملية الاستثمارية ومحلها ومراحلها وجدواها وتعريف بأطرافها . وكذلك بيان نوع الصك والعقد الشرعي الذى تصدر الصكوك على أساسه ، مثل عقد مرابحة أو استصناع أو غيرهما . بالإضافة إلى الدعوة إلى الإكتتاب فى الصكوك .
2.     بيان حقوق وواجبات الأطراف ذات العلاقة وتوضيح العلاقة بينها وتنظيمها ؛
·         المُصدر : Special Purpose Vehicle (SPV) ، يتولى المصدر إصدار نشرة إصدار الصكوك وهى العقد الذي يصدر صك الاستثمار على أساسه  ، وإصدار الصكوك ، وتحصيل الاكتتابات ، وإدارة المحفظة الاستثمارية ، واستثمار حصيلة الاكتتابات فى الغاية المخصصة لأجلها ، وتحصيل حقوق المستثمرين وتوزيعها عليهم ، حفظ الوثائق والعقود والضمانات والسجلات المحاسبية وسجلات تداول الصكوك . يساعد مدير الصكوك فى تنفيذ مهامه وتتم مراقبة أعماله من قبل مؤسسات وسيطة على أساس الوكالة بأجر يحدد فى نشرة الإصدار .
·         مؤسسة التصنيف : Rating Agency ، يقوم بالتصنيف مؤسسة تصنيف إئتماني لتققيم القدرة على الوفاء بالالتزامات فى العقود بين اطراف التصكيك ، وكذلك مؤسسات تصنيف عالمية لتقييم الأصول وأداء المصدر ومخاطر الصكوك .
·         الضامن : Guarantor  ، بالإضافة إلى الأصول ذاتها التى تعد الضمان الرئيسي فى عملية التصكيك ، فإن العملية غالباً تتطلب ضمانات تقدمها جهات أخرى كشركة تأمين أو حكومة أو بنك موثوق . وتشمل الضمانات ما يلى :
§         تملك الموجودات التى تمثلها الصكوك . وتجدر الإشارة إلى أن انتقال ملكية الأصول قانونياً إلى حملة الصكوك يمكنهم من أن يكون لهم الحق فى تصرف المالك فى ماله بالبيع أو الرهن أو غير ذلك من طرق التصرف المشروعة ، أما إنتقال ملكية الأصول إلى مصدر الصكوك فإنه لا يعنى انتقال الملكية إلى حملة الصكوك ، ففى حالة إفلاس مصدر الصكوك تعد هذه الأصول ضمن موجودات التفليسة يتقاسمها الدائنون ومن بينهم حملة الصكوك . وكذلك الإكتفاء بتقديم الموجودات كضمانات بالرهن أو التنازل يضع حملة الصكوك فى موقف الدائن وليس المالك .
§         استيفاء ضمانات عينية من مصدر الصكوك لضمان عدم التعدى أو التقصير .
§         الحصول على ضمان من جهة موثوقة لضمان عدم التعدى أو التقصير.
§         التزام جهة موثوقة بشراء ما لم يكتتب فيه من الصكوك .
§         التزام جهة موثوقة بشراء ما يُعرض بيعه من الصكوك بسعر التداول فى حال عدم وجود مشترى .
لا يجوز أن تشمل الضمانات ضمان مخاطر الاستثمار ، فهى سبب استحقاق ربح رأس المال ، والضمان يجعل الربح يستحق للضامن ، وذلك عملاً بقوله صل الله عليه وسلم " الخراج بالضمان " (رواه أحمد فى مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي والحاكم) . فلا يجوز ضمان قيمة الصك ، أو ضمان قدر معين من الربح ، أو الالتزام بالتبرع لتعويض نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع ، أو الالتزام بإقراض حملة الصكوك عند نقص الربح الفعلى عن الربح المتوقع .
3.     بيان شروط تداول الصكوك واستردادها .



تداول الصكوك الاستثمارية واستردادها
يقصد بتداول الصكوك التصرف فى الحق الشائع الذى يمثله الصك بالبيع أو الرهن أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات المشروعة . يتفق غالبية الفقهاء المعاصرين على جواز تداول الصكوك بعد الفترة المحددة للإكتتاب ، فهى تمثل حصة فى موجودات وهذه الموجودات يجوز تداولها .

يبين البند الثالث من القرار رقم 178 (4/19) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي فى دورته التاسعة عشرة بتاريخ 30 /4/ 2009 ، الضوابط الخاصة بتداول الصكوك ؛
 (‌أ)  إذا كانت مكونات الصكوك لا تزال نقوداً فتطبق أحكام الصرف.
(‌ب) إذا انقلبت الموجودات لتصبح ديوناً كما هو الحال في بيع المرابحة فيطبق على تداول الصكوك أحكام الدين، من حيث المنع إلا بالمثل على سبيل الحوالة.
(‌ج) إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع. أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية .

يستند الفقهاء المعاصرون فى إجازتهم لتداول الصك بأكثر أو أقل من قيمته على أن الصك يمثل حصة فى موجودات فهو كالسلعة تخضع قيمتها لعوامل الطلب والعرض فى السوق فيتحقق شرط التراضى فى المعاملات ، ولكن التراضى ليس هو الشرط الوحيد فى المعاملات ، فتداول الصكوك بالشكل الحالي فى الأسواق المالية القائمة يتعارض مع أحكام شرعية أخرى ؛
·         تداول الصكوك يتعارض مع وجوب عدالة التقييم
"ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم" (هود 11 : 85) .
الأسعار في أسواق الصكوك لا تعكس نتيجة التفاعل الحر بين الطلب الحقيقي والعرض الحقيقي للأصل موضوع التعاقد ، وإنما تتحدد في ضوء حجم الطلب والعرض الخاص بعقود المعاملات والذي غالباً ما يتحكم فيهما كبار المضاربين ، لذلك فسعر الصك فى أسواق الصكوك لا يعبر عن القيمة العادلة للمبيع . وحيث يتم الشراء والبيع مقابل النقود ، فإنه يترتب على ارتفاع السعر على القيمة العادلة بخس لقيمة النقود المملوكة للمشتري ، كما وأنه يترتب على انخفاض السعر عن القيمة العادلة بخس لقيمة المبيع المملوك للبائع . ويلاحظ اختلاف القيمة السوقية للصك عن قيمته التى يشار اليها في التقارير المالية على أنها القيمة العادلة .
·         تداول الصكوك يتعارض مع تحريم المضاربة
"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" (المائدة 5 : 90) . تنامي حجم المضاربات في الأسواق المالية يعكس رغبة المستثمرين في جني ربح سريع دون عناء الدخول في مخاطر الاستثمار الإنتاجي . وغالباً يتم شراء الصكوك فى الأسواق المالية ليس بهدف المشاركة فى الاستثمار وإنما بهدف الاسترباح من توقع ارتفاع أسعارها . والمضاربة تتسبب فى التضخم الضار بالمجتمعات . إن تداول الصكوك بالصورة القائمة يشجع المضاربات ، بينما يفترض أن يكون الهدف تشجيع الاستثمار والاسترباح من نتيجته . استثمار المال هو سبب استحقاق الربح فى الشركة . استحقاق الربح عند الحنفية إما بالمال أو بالعمل أو بالتزام الضمان .
·         تداول الصكوك ينطوى على ربا
"وحدثنى عن مالك أنه بلغه أن صكوكاً خرجت للناس فى زمان مروان بن الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم فقالا أتحل بيع الربا يا مروان . فقال أعوذ بالله وما ذاك فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها فبعت مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدى الناس ويردونها إلى أهلها ." (موطأ الإمام مالك: كتاب 31 ، حديث 1336) .
·         تداول الصكوك ينطوى على غرر ناتج عن الجهالة
نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (حديث الرسول صلى الله عليه وسلم  ... سنن أبي داود – البيوع) . الغرر هو كل بيع كان المقصود منه مجهولا غير معلوم أو معجوز عنه غير مقدور عليه . بيع الصكوك فى الأسواق المالية لايتم فيه استلام أو إعادة تقييم لحصة الصك فى الموجودات ، وإنما تداول للعقود .
·         تداول الصكوك ينطوى على أكل مال بالباطل
"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " (البقرة 2 :188) .
إذا تم شراء صك بسعر 100 دينار ، ثم بيع بمبلغ 110 دينار ، وعند الإطفاء كانت حصة الصك فى الخسارة 10 دينار ، الأول أكل مالاً بالباطل لأنه ربح من التداول 10 دينار ولم يتحمل خسارة استثمار ماله 10 دينار ، أما الثانى فقد تعرض للظلم بتحمله حصة الأول فى الخسارة 10 دينار إضافة إلى خسارة فى التداول 10 دينار .
إذا تم شراء صك بسعر 100 دينار ، ثم بيع بمبلغ 90 دينار ، وعند الإطفاء كانت حصة الصك فى الربح 10 دينار ، فإن نتيجة المشاركة فى الاستثمار نفسه تكون خسارة على المشترى الأول مقدارها 10 دنانير وربحاً للمشترى الثانى مقدارها 20 دينار . الثانى أكل مالاً بالباطل لأنه اكتسب ربح استثمار مال الأول دون وجه حق ،  أما الأول فقد تعرض للظلم بتحمله خسارة رغم مساهمته فى تحقق ربح .
·         عدم التقيد بأحكام تداول النقود والديون
لا يمكن من الناحية العملية تعليق تداول الصكوك فى الأسواق المالية بالتحقق من أن غالبية الموجودات هى أعيان ومنافع ، فلا سبيل لقياس الأغلبية فى لحظة التداول ، وحتى لو كانت النقود والديون قليلة ، فإن ذلك لا يبرر مخالفة ما ورد فى أحاديث المصطفى صل الله عليه وسلم بخصوص تداولها .
·         مخالفة الأحكام الفقهية لتوزيع الربح والخسارة
فى معنى الربح يقول صاحب المغنى " ... الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح ، ولا نعلم فى هذا خلافاً " (ابن قدامه – المغنى ويليه الشرح الكبير – الجزء الخامس – ص 166) ، ويقول ابن رشد "المقارض إنما يأخذ حظه من الربح بعد أن ينض جميع رأس المال" (ابن رشد – الحفيد – الجزء الثانى – ص 240) ، ويقرر صاحب مجمع الضمانات أنه " إن قبض رأس المال صحت القسمة ، وإلا بطلت ، لأن الربح فضل على رأس المال " (البغدادى – مجمع الضمانات – الطبعة الأولى – مصر – ص – 311) . وقد يأخذ البعض بقول الشافعية أنه " يصح قسمة الربح قبل أن يقبض رأس المال إلا أن الربح إذا قسم قبل بيع جميع السلع وقبل أن يصبح رأس المال ناضاً فإن ملك الربح لا يستقر فلو حصل بعد القسمة خسارة فى رأس المال جبرت بالربح فيرد الجزء الذى أخذه " (الجزيرى – كتاب الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الثالث – أقوال المذاهب الأربعة فى قسمة الربح فى المضاربة ) ، لكن ذلك لا يعبر عن خلاف فى الرأي مع الحنفية والمالكية والحنابلة وإنما يُفهم منه إجازة مسحوبات الشريك على حساب الأرباح المتوقعة فى حالة شركات الأشخاص المستمرة التى يُبقى الشريك فيها على رأسماله ويعيش على ربحه ، وهو ليس الحال فى الصكوك التى تشترى من فوائض الدخول أو المدخرات .   
ويوضح الجزيرى أيضاً توافق المذاهب الأربعة على أن الخسارة تجبر من الربح ، مسترشداً بقول الشافعية السابق بيانه إضافة إلى قول المالكية "القاعدة فى ذلك أن رأس المال إذا خسر فيه شيء بالعمل فيه أو تلف بآفة سماوية أو سرقة لص فإن الخسارة تجبر من الربح" ، وقول الحنابلة "لا يستحق المضارب شيئاً من الربح حتى يتسلم رأس المال إلى صاحبه والخسارة تجبر من الربح" ، وعليه فإنه عند تحقق خسارة فى خلال حياة الاستثمار يلزم الانتظار لجبرها من الربح .

يشهد العالم تحول الأسواق المالية إلى مُصدر للأزمات والمشاكل الاقتصادية ، ذلك لأن الأسواق المالية فى الفكر الاقتصادي الغربى تقوم على تقديم أدوات مالية ربوية لإستقطاب المدخرات لتحقيق هدفين معاً :
·         استثمار جزء من المدخرات فى أنشطة إنتاجية عن طريق الإقراض الربوي .
·         استغلال تداول الأدوات المالية بحسب السعر الذى يحدده السوق نتيجة تفاعل عاملي طلب وعرض مفتعلين على عقود الشراء والبيع لتشجيع المضاربات  لتزيد من تركز الثروة فى يد الرأسمالية المسيطرة على الأسواق . 

إن الحرص على تقليد النظم الغربية فى تداول الصكوك يضر بالمصلحة العامة ، بينما الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية التى وضعت لسعادة البشر يحقق المصلحة العامة . إن مجرد إصدار الصكوك هو توجيه لاستثمار المدخرات فى أنشطة إنتاجية غير ربوية . أما تداول الصكوك فأهميته تكمن فى تلبية رغبة أو حاجة حامل الصك فى أي وقت فى الحصول على نقد قبل انتهاء الاستثمار ، وهذه الرغبة  يمكن تحقيقها ، دون تجاهل حق مالك الصك فى ربح استثمار ماله وواجبه فى تحمل خسارة استثمار ماله ، وذلك على أساس النظر إلى عملية التداول ، ليس على أنها عملية بيع وشراء وإنما ، على أنها اتفاق بين مالك الصك مع شخص آخر على أن يحل الثانى محل الأول خلال الفترة المتبقية من الاستثمار على أن يتقاسما ربح أوخسارة الاستثمار فيما بينهما بنسبة مدة ملكية كلٍ منهما للصك . ويقتضى ذلك إعتماد سعر تداول يعادل ما دفعه مالك الصك لإمتلاك الصك . وعليه يمكن تداول الصكوك مع الالتزام بالأحكام الشرعية وفق الأسلوب التالى :
1.     بعد إغلاق الاكتتاب وتخصيص الصكوك يبدأ تداول الصكوك بسعر التداول الذى يعادل القيمة الإسمية للصك . تستثمر حصيلة الصكوك فى الغاية التى صدرت من أجلها . وبعد الانتهاء من الاستثمار يبدأ استلام إيرادات الاستثمار ، ولا يجوز إجراء أي توزيعات قبل تحقق إيرادات . 
2.     يُستغل صافي إيرادات الاستثمار أولاً  فى رد رأس المال لحملة الصكوك ، لأن الربح فى حقيقته كما هو عند فقهاء السلف الصالح وقاية لرأس المال فالأَولى رده قبل توزيع الأرباح بمراعاة أن أصحاب الصكوك المباعة يستردون رأسمالهم ممن اشتروا منهم الصكوك .
§         فى الاستثمارات البسيطة (مثل صكوك الاستصناع إذا بيع المصنوع نقداً أو صكوك السلم إذا بيع المسلم فيه نقداً) : عند تحول الموجودات بالكامل إلى نقد ، يرد رأس المال مرة واحدة إلى حملة الصكوك ، غير المباعة ، بحسب حصة كلٍ منهم فى رأس المال ، ويوزع الربح (الفائض عن رأس المال) بين جميع حملة الصكوك (المملوكة والمباعة) بحسب المجموع التراكمى للمال المستثمر من قبل كلٍ منهم ، ويتوقف تداول الصكوك .
§         فى الاستثمارات محدودة المدة (مثل صكوك المرابحة ، صكوك الإجارة ، صكوك المنافع ، صكوك لتمويل طريق مقابل تحصيل رسم عبور لمدة معينة)  : بتاريخ  توزيع صافى الإيرادات ، يرد رأس المال تدريجياً إلى حملة الصكوك ، غير المباعة ، بحسب حصة كلٍ منهم فى رأس المال ، فيخفض رأسمال صاحب الصك بقيمة ما يسترده منه ، ويخفض سعر التداول بنفس القيمة . يستمر ذلك حتى يتم رد رأس المال بالكامل ويصبح سعر التداول صفراً ويتوقف تداول الصكوك ليبدأ توزيع الربح . يوزع الربح (الفائض عن رأس المال) بين جميع حملة الصكوك (المملوكة والمباعة) بحسب المجموع التراكمى للمال المستثمر من قبل كلٍ منهم . يستمر ذلك حتى انتهاء الأجل .
يقصد بالمجموع التراكمى للمال المستثمر القيمة المدفوعة من قبل صاحب الصكوك مرجحة بعدد أيام تملك الصكوك .  طريقة الحساب هذه هى نفس الطريقة التى تتبعها البنوك الإسلامية لتوزيع الأرباح على أصحاب الودائع الاستثمارية .
3.     فى حال تحقق خسارة لم تجبر من الربح فإنها توزع عند تحول الموجودات بالكامل إلى نقد فى الاستثمارات البسيطة ، أو بانتهاء أجل استلام إيرادات الاستثمار فى الاستثمارات محدودة المدة . وفى جميع الحالات يتوقف تداول الصكوك ويخفض رأسمال صاحب الصك المملوك بقيمة حصته فى الخسارة ويطالب صاحب الصك الذى تم التنازل عن ملكيته بتحمل حصته فى الخسارة .
4.     فى حال إطفاء الصكوك قبل تحول الموجودات بالكامل إلى نقد أو استلام كامل الإيرادات ، يجرى تقييم الموجودات من أعيان ومنافع بحسب سعر السوق لها ، أما النقود فتقيم بسعر صرفها فى يوم الإطفاء بينما تعتبر الديون بقيمتها دون زيادة أو نقصان .
5.     يحتفظ مصدر الصكوك بسجل تاريخي يوضح بيانات حركة تداول الصكوك وتفاصيلها .
6.     فى الاستثمارات محددة المدة ، يتم عمل مخصص بالنسبة أو القيمة التى تحددها نشرة إصدار الصكوك ، يُحمل المخصص على الإيرادات قبل توزيعها لمواجهة متطلبات السيولة بعد التوزيع ويلغى المخصص عند التوزيع التالى ليحل محله مخصص جديد .
7.     تقوم العلاقة بين مصدر الصكوك وحملة الصكوك على أساس المشاركة يكون فيها المصدر هو الشريك المدير ، أو على أساس المضاربة يكون فيها المصدر هو الشريك المضارب ، أو على أساس الوكالة بأجر . تحدد نشرة الإصدار أجر مصدر الصكوك إذا كان وكيلاً ، وحصته فى الربح أو الآيرادات مقابل العمل إذا كان مضارباً أو شريكاً . فى حالة المشاركة فإن رأسماله يتمثل فى صكوك تشارك فى صافى الأرباح أو الإيرادات وتتحمل الخسائر مثله مثل حملة الصكوك الآخرين .
8.     توضح نشرة إصدار الصكوك شروط الإصدار ، القيمة الإسمية للصك ، عملة الصك ، التواريخ التقريبية المتوقعة لإجراء التوزيعات فى الاستثمارات محددة المدة . التواريخ الفعلية لإجراء التوزيعات يعتمد على توفر السيولة والتحصيل الفعلى للإيرادات . يتحدد أجل الصكوك بالمدة اللازمة لتنفيذ الغاية التى صدرت من أجلها الصكوك . كما توضح النشرة أسلوب تداول الصكوك . ولا يجوز شرعاً تحديد مقدار العائد بمبلغ مقطوع أو نسبة ثابتة أو متغيرة ، كأن يتحدد العائد بمبلغ 20 دولار أو بنسبة 4% أو بمعدل 1% زائد سعر فائدة الليبور ، فذلك رباً واضح . تصدر الصكوك بالقيمة الإسمية لأمر صاحبها ولا تصدر الصكوك لحاملها .

يحقق تداول الصكوك بهذا الأسلوب مجموعة من المزايا :
1.     التوافق التام مع الأحكام الشرعية .
2.     الالتزام تلقائياً بأحكام تبادل النقود والديون لأن التداول يتم بالقيمة المدفوعة فعلاً مقابل حصة الصك فى الموجودات ، ولأن علاقة شراكة حملة الصكوك مع بائعى الصكوك لم تنتهى .
3.     تأكيد ارتباط استحقاق الربح (أو تحمل الخسارة ) باستثمار المال .
4.     استمرار تداول الصكوك حتى استرداد كامل رأس المال .
5.     يتوافق إجراء رد رأس المال وتوزيعات الأرباح مع التدفقات النقدية ، ويمتنع تكدس مال حملة الصكوك لدى مصدر الصكوك يستثمره فى غير الغاية المخصصة لها . عندما تكون الأولوية لتوزيع الأرباح ؛ إذا صدرت صكوك لمدة 5 سنوات توزع عائدتها سنوياً لتمويل شراء سلعة بمبلغ مليون دولار لبيعها مرابحة بنسبة 50% أى بمبلغ 1.5 مليون دولار على 5 أقساط سنوية متساوية صافى قيمة كلٍ منها 300,000 دولار ، فإن مصدر الصكوك يستلم سنوياً مبلغ 300,000 دولار ، يدفع منها لحاملى الصكوك مبلغ 100,000 دولار (حصة القسط فى الربح) ويحتفظ لديه بمبلغ 200,000 دولار يوظفها لصالحه على أن يدفع لحملة الصكوك بنهاية السنوات الخمسة مبلغ مليون دولار . أما عندما تكون الأولوية لرد رأس المال فإن مصدر الصكوك يدفع كامل قيمة القسط السنوي 300,000 دولار لحملة الصكوك . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق